فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورُوي أن سبعة أُخذوا في زمن ابن الزبير في لِوَاط؛ فسأل عنهم فوجد أربعة قد أُحْصِنوا فأمر بهم فخرجوا بهم من الحرم فرُجِموا بالحجارة حتى ماتوا، وحدّ الثلاثة؛ وعنده ابن عباس وابن عمر فلم ينكرا عليه.
وإلى هذا ذهب الشافعيّ.
قال ابن العربِيّ: والذي صار إليه مالك أحقُّ، فهو أصحّ سندًا وأقوى معتَمَدًا.
وتعلّق الحنفيون بأن قالوا: عقوبة الزِّنَى معلومة؛ فلما كانت هذه المعصية غيرها وجب ألاّ يشاركها في حدّها.
ويأثرون في هذا حديثًا: «مَن وضع حدًّا في غير حَدٍّ فقد تعدّى وظَلَم» وأيضًا فإنه وطء في فرج لا يتعلّق به إحلالٌ ولا إحصان، ولا وجوبُ مهر ولا ثبوتُ نسب؛ فلم يتعلق به حدّ.
الثالثة فإن أتى بهيمة فقد قيل: لا يقتل هو ولا البهيمة.
وقيل: يقتلان؛ حكاه ابن المنْذِر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وفي الباب حديث رواه أبو داود والدّارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه» فقلنا لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه قال ذلك، إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل.
قال ابن المنذر: إن يَكُ الحديث ثابتًا فالقول به يجب، وإن لم يثبت فليستغفر الله من فعل ذلك كثيرًا، وإن عزّره الحاكم كان حسنًا.
والله أعلم.
وقد قيل: إن قتل البهيمة لئلا تُلْقِي خَلْقًا مُشَوَّهًا؛ فيكون قتلها مصلحة لهذا المعنى مع ما جاء من السنة.
والله أعلم.
وقد روى أبو داود عن ابن عباس قال: ليس على الذي زنى بالبهيمة حد.
قال أبو داود: وكذا قال عطاء.
وقال الحكَم: أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحدّ.
وقال الحسن: هو بمنزلة الزاني.
وقال الزهرِيّ: يجلد مائة أحصِن أو لم يحصن.
وقال مالك والثّوريّ وأحمد وأصحاب الرأي يعزّر.
ورُوي عن عطاء والنّخعيّ والحكَم.
واختلفت الرواية عن الشافعيّ، وهذا أشبه على مذهبه في هذا الباب.
وقال جابر بن زيد: يقام عليه الحدّ، إلا أن تكون البهيمة له.
الرابعة قوله تعالى: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} مِن لاستغراق الجنس، أي لم يكن اللِّواط في أُمّة قبل قوم لوط.
والملحِدون يزعمون أن ذلك كان قبلهم.
والصدق ما ورد به القرآن.
وحكى النقاش أن إبليس كان أصْلَ عملهم بأن دعاهم إلى نفسه لعنه الله، فكان يُنكح بعضهم بعضًا.
قال الحسن: كانوا يفعلون ذلك بالغُرَبَاء، ولم يكن يفعله بعضهم ببعض.
وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف على أُمّتي عمل قوم لوط» وقال محمد بن سِيرين: ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار. اهـ.

.قال الخازن:

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}.
{ولوطًا} يعني وأرسلنا لوطًا وقيل: معناه واذكر يا محمد لوطًا وهو لوط بن هاران بن تارخ وهو ابن أخي إبراهيم وإبراهيم عمه {إذ قال لقومه} يعني أهل سدوم وإليهم كان قد أرسل وذلك أن لوطًا عليه الصلاة والسلام لما هاجر مع عمه إبراهيم عليهم الصلاة والسلام إلى الشام فنزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام أرض فلسطين ونزل لوط الأردن أرسله الله تعالى إلى أهل سدوم يدعوهم إلى الله تعالى وينهاهم عن فعلهم القبيح وهو قوله تعالى: {أتأتون الفاحشة} يعني أتفعلون الفعلة الخسيسة التي هي غاية في القبح وكانت فاحشتهم إتيان الذكران في أدبارهم {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} من الأولى زائدة لتوكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض، والمعنى: ما سبقكم أيها القوم بهذه الفعلة الفاشحة أحد من العالمين قبلكم وفي هذا الكلام توبيخ لهم وتقريع على فعلهم تلك الفاحشة.
قال عمرو بن دينار: ما نزل ذكر على ذكر في الدنيا إلا كان من قوم لوط. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}.
هو لوط بن هاران أخي إبراهيم عليه السلام وناحور وهم بنو تارح بن ناحور وتقدّم رفع نسبه وقوله هم أهل سدوم وسائر القرى المؤتفكة بعثه الله تعالى إليهم، وقال ابن عطية بعثه الله إلى أمّة تسمى سدوم وانتصب {لوطًا} بإضمار وأرسلنا عطفًا على الأنبياء قبله و{إذ} معمولة {لأرسلنا} وجوّز الزمخشري وابن عطية: نصبه بواذكر مضمرة زاد الزمخشري أنّ {إذ} بدل من لوط أي واذكر وقت قال لقومه، وقد تقدم الكلام على كون إذ تكون مفعولًا بها صريحًا لأذكر وأنّ ذلك تصرف فيها والاستفهام هو على جهة الإنكار والتوبيخ والتشنيع والتوقيف على هذا الفعل القبيح و{الفاحشة} هنا إتيان ذكران الآدميين في الادبار ولما كان هذا بالفعل معهودًا قبحه ومركوزًا في العقول فحشه أتى معرّفًا بالألف واللام أن تكون أل فيه للجنس على سبيل المبالغة كأنه لشدة قبحه جعل جميع الفواحش ولبعد العرب عن ذلك البعد التام وذلك بخلاف الزنا فإنه قال فيه: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة} فأتى به منكرًا أي فاحشة من الفواحش وكان كثير من العرب يفعله ولا يستنكرون من فعله ولا ذكره في أشعارهم والجملة المنفية تدلّ على أنهم هم أول من فعل هذه الفعلة القبيحة وأنهم مبتكروها والمبالغة في {من أحد} حيث زيدت لتأكيد نفي الجنس وفي الإتيان بعموم العالمين جمعًا.
قال عمر بن دينار: ما رئي ذكر على ذكر قبل قوم لوط روي أنهم كان يأتي بعضهم بعضًا، وقال الحسن: كانوا يأتون الغرباء كانت بلادهم الأردن تؤتى من كل جانب لخصبها فقال لهم إبليس هو في صورة غلام إن أردتم دفع الغرباء فافعلوا بهم هكذا فمكنهم من نفسه تعليمًا ثم فشا واستحلوا ما استحلوا وأبعد من ذهب إلى أنّ المراد من عالمي زمانهم ومن ذهب إلى أن المعنى {ما سبقكم} إلى لزومها ويشهدها وفي تسمية هذا الفعل بالفاحشة دليل على أنه يجري مجرى الزنا يرجم من أحصن ويجلد من لم يحصن وفعله عبد الله بن الزبير أتى بسبعة منهم فرجم ربعة أحصنوا وجلد ثلاثة وعنده ابن عمر وابن عباس ولم ينكروا وبه قال الشافعي، وقال مالك: يرجم أحصن أو لم يحصن وكذا المفعول به إن كان محتلمًا وعنده يرجم المحصن ويؤدّب ويحبس غير المحصن وهو مذهب عطية وابن المسيب والنخعي وغيرهم وعن مالك أيضًا يعزر أو لم يحصن وهو مذهب أبي حنيفة وحرق خالد بن الوليد رجلًا يقال له الفجاء عمل ذلك العمل وذلك برأي أبي بكر وعليّ وأنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمع رأيهم عليه وفيهم عليّ بن أبي طالب، وروي أنّ ابن الزبير أحرقهم في زمانه وخالد القشيري بالعراق وهشام.
{وما سبقكم} جملة حالية من الفاعل أو من {الفاحشة} لأنّ في {سبقكم بها} ضميرهم وضميرها، وقال الزمخشري: هي جملة مستأنفة أنكر عليهم أولًا بقوله: {أتأتون الفاحشة} ثم وبّخهم عليها فقال: أنتم أول من عملها أو على أنه جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا لم لا نأتيها فقال: {ما سبقكم بها أحد} فلا تفعلوا ما لم تسبقوا به، وقال الزمخشري: والباء للتعدية من قولك سبقته بالكرة إذا ضربتها قبله ومنه قوله عليه السلام: «سبقك بها عكاشة» انتهى، ومعنى التعدية هنا قلق جدًّا لأنّ الباء المعدية في الفعل المتعدي إلى واحد هي بجعل المفعول الأول يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء فهي كالهمزة وبيان ذلك أنك إذا قلت صككت الحجر بالحجر فمعناه أصككت الحجر الحجر أي جعلت الحجر يصك الحجر وكذلك دفعت زيدًا بعمرو عن خالد معناه أدفعت زيدًا عمرًا عن خالد أي جعلت زيدًا يدفع عمرًا عن خالد فللمفعول الأوّل تأثير في الثاني ولا يتأتّى هذا المعنى هنا إذ لا يصحّ أن يقدّر أسبقت زيدًا الكرة أي جعلت زيدًا يسبق الكرة إلا بمجاز متكلّف وهو أن تجعل ضربك للكرة أول جعل ضربة قد سبقها أي تقدّمها في الزمان فلم يجتمعا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ولوطًا} منصوبٌ بفعل مضمر على ما سبق، وعدمُ التعرُّضِ للمرسل إليهم مقدمًا على المنصوب حسبما وقع فيما سبق وما لحِق قد مر بيانُه في قصة هودٍ عليه السلام، وهو لوطُ بنُ هارانَ بن تارح بنُ أخي إبراهيمَ كان من أرض بابلَ من العراق مع عمه إبراهيمَ فهاجر إلى الشام فنزل فلسطينَ وأنزل لوطًا الأردُنّ وهي كورةٌ بالشام فأرسله الله تعالى إلى أهل سَدومَ وهي بلدٌ بحِمْصَ، وقوله تعالى: {إذ قال لقومه} ظرفٌ للمضمر المذكورِ أي أرسلنا لوطًا إلى قومه وقت قولِه لهم الخ، ولعل تقييدَ إرسالِه عليه السلام بذلك لما أن إرسالَه إليهم لم يكن في أول وصولِه إليهم، وقيل: هو بدلٌ من لوطًا بدلَ اشتمالٍ على أن انتصابَه باذكر، أي اذكرْ وقتَ قولِه عليه السلام لقومه: {أتأتون الفاحشة} بطريق الإنكارِ التوبيخيِّ التقريعيِّ أي أتفعلون تلك الفعلةَ المتناهيةَ في القبح المتماديةِ في الشرية والسوء {ما سبقكم بها} ما عمِلها قبلكم على أن الباء للتعدية كما في قوله تعالى: {من أحد} مزيدةٌ لتأكيد النفي وإفادةِ معنى الاستغراقِ، وفي قوله تعالى: {من العالمين} للتبعيض، والجملةُ مستأنفةٌ مسوقة لتأكيد النكيرِ وتشديدِ التوبيخِ والتقريعِ، فإن مباشرةَ القبيحِ قبيحٌ واختراعَه أقبحُ، ولقد أنكر الله تعالى عليهم أولًا إتيانَ الفاحشةِ ثم وبخهم بأنهم أولُ من عمِلها فإن سبكَ النظمِ الكريمِ وإن كان على نفي كونِهم مسبوقين من غير تعرّضٍ لكونهم سابقين، لكن المرادَ أنهم سابقون لكل مَنْ عداهم من العالمين كما مر تحقيقه مرارًا في نحو قوله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا} أو مسوقةٌ جوابًا عن سؤال مقدر كأنه قيل من جهتهم: لم لا نأتيها؟ فقيل بيانًا للعلة وإظهارًا للزاجر: ما سبقكم بها أحدٌ لغاية قُبْحِها وسوءِ سبيلها فكيف تفعلونها؟ قال عمرو بن دينار: ما نزَا ذكرٌ على ذكر حتى كان قومُ لوط. قال محمد بنُ إسحاق:
كانت لهم ثمارٌ وقُرى لم يكن في الدنيا مثلُها فقصدهم الناسُ فآذَوْهم فعرض لهم إبليسُ في صورة شيخٍ فقال: إن فعلتم بهم كذا وكذا نجَوْتم منهم فأبَوْا فلما ألحّ الناسُ عليهم قصدوهم فأصابوا غِلْمانًا صِباحًا فأخبثوا فاستحكم فيهم ذلك، قال الحسن: كانوا لا يفعلون ذلك إلا بالغرباء، وقال الكلبي: أول من فُعل به ذلك الفعلُ إبليسُ الخبيثُ حيث تمثل لهم في صورة شابٍ جميل فدعاهم إلى نفسه ثم عبثوا بذلك العمل. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلُوطًا} نصب بفعل مضمر أي أرسلنا معطوف على ما سبق أو به من غير خاجة إلى تقدير، وإنما لم يذكر المرسل إليهم على طرز ما سبق وما لحق لأن قومه على ما قيل لم يعهدوا باسم معروف يقتضي الحال ذكره عليه السلام مضافًا إليهم كما في القصص من قبل ومن بعد وهو ابن هاران بن تارخ.
وابن اسحق ذكر بدل تارخ آزر.
وأكثر النسابين على أنه عليه السلام ابن أخي إبراهيم صلى الله عليه وسلم ورواه في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن صرد أن أبا لوط عليه السلام عم إبراهيم عليه السلام، وقيل: إن لوطًا كان ابن خالة إبراهيم وكانت سارة زوجته أخت لوط وكان في أرض بابل من العراق مع إبراهيم فهاجر إلى الشام ونزل فلسطين وأنزل لوطًا الأردن وهو كرة بالشام فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم وهي بلدة بحمص.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال: أرسل لوط إلى المؤتفكات وكانت قرى لوط أربع مدائن سدوم وأمورا وعامورا وصبوير وكان في كل قرية مائة ألف مقاتل وكانت أعظم مدائنهم سدوم وكان لوط يسكنها وهي من بلاد الشام ومن فلسطين مسيرة يوم وليلة، وهذا اللفظ على ما قال الزجاج اسم أعجمي غير مشتق ضرورة أن العجمي لا يشتق من العربي وإنما صرف لخفته بسكون وسطه، وقيل: إنه مشتق من لطت الحوض إذا ألزقت عليه الطين، ويقال: هذا ألوط بقلبي من ذلك أي ألصق به ولاط الشيء أخفاه.